صندوق النقد الدولي يكشف حقيقة ما تفعله السعودية في اليمن

صندوق النقد الدولي يكشف حقيقة ما تفعله السعودية في اليمن
  • آخر تحديث

في ظل ما يشهده اليمن من أزمات اقتصادية متلاحقة نتيجة الحرب المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن، جاء الدعم المالي السعودي الأخير ليسجل نقطة تحول بارزة في مسار استقرار الاقتصاد اليمني، الذي واجه انهيار شبه كامل خلال السنوات الماضية.

صندوق النقد الدولي يكشف حقيقة ما تفعله السعودية في اليمن 

فقد كشف صندوق النقد الدولي في تقرير حديث أن المملكة العربية السعودية قدمت حزمة تمويلية جديدة بقيمة 368 مليون دولار لدعم الموازنة العامة وقطاعي الطاقة والصحة في اليمن، مشيرا إلى أن هذا الدعم أسهم بوضوح في تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي للدولة التي أنهكتها الصراعات.

انعكاسات الدعم السعودي على أداء الاقتصاد اليمني

أوضح التقرير أن المساعدات المالية السعودية، التي بلغت نحو ملياري دولار خلال عامي 2023 و2024، ساعدت الحكومة اليمنية في الحد من التدهور الاقتصادي الحاد، ومكنتها من تقليص العجز المالي إلى نحو 1.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2024.

ويعد هذا التحسن النسبي مؤشر على قدرة الاقتصاد اليمني على الصمود بفضل المساندة الخليجية، خاصة في ظل محدودية الموارد والإيرادات وتوقف معظم الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية في البلاد.

استئناف التعاون بين اليمن وصندوق النقد الدولي

بعد انقطاع دام أحد عشر عام، أعلن صندوق النقد الدولي عن استئناف مشاورات المادة الرابعة مع الحكومة اليمنية، وهي خطوة بالغة الأهمية تشير إلى عودة التواصل المؤسسي بين الطرفين، ما يعني توفر بيانات اقتصادية أكثر دقة واستئناف العلاقات المالية الرسمية مع المؤسسات الدولية.

واعتبر رئيس مجلس الوزراء اليمني، سالم بن بريك، هذا التطور «محطة محورية في استعادة اليمن لحضوره داخل المنظومة المالية العالمية»، مؤكد أن الحكومة ملتزمة بمواصلة الإصلاحات المالية والإدارية رغم حجم التحديات والمخاطر.

الاقتصاد اليمني بين الانكماش والأزمة الإنسانية

وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، يعاني اليمن من واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية والإنسانية في العالم منذ اندلاع الحرب عام 2014.

فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة تقدر بنحو 27 في المائة خلال العقد الماضي، كما انخفض متوسط دخل الفرد بشكل حاد، مما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين بسبب التضخم الحاد وانخفاض قيمة العملة المحلية.

وتوقفت صادرات النفط – المصدر الأساسي للإيرادات – إثر الهجمات الحوثية على المنشآت النفطية عام 2022، ما أجبر اليمن على استيراد النفط لأول مرة منذ عقود، في وقت يحتاج فيه أكثر من نصف السكان إلى مساعدات إنسانية عاجلة.

الأوضاع المالية العامة وتراجع الإيرادات

أشار تقرير الصندوق إلى أن الإيرادات الحكومية اليمنية انخفضت من 22.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2014 إلى أقل من 12 في المائة عام 2024، في حين ارتفع الدين العام إلى أكثر من 100 في المائة من الناتج المحلي في المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دوليا.

كما اتسع عجز الحساب الجاري إلى نحو 11 في المائة عام 2024، بينما تراجعت احتياطيات النقد الأجنبي إلى ما يعادل أقل من شهر واحد من قيمة الواردات، وهو ما يعكس هشاشة الوضع المالي وصعوبة تمويل الاحتياجات الأساسية دون دعم خارجي.

تأثير الدعم السعودي في الحد من الانهيار

أكد صندوق النقد الدولي أن الدعم السعودي، الذي بلغ نحو ملياري دولار خلال عامي 2023 و2024، كان له أثر مباشر في تجنب مزيد من الانهيار المالي والاقتصادي، إذ مكن الحكومة من دفع الرواتب في بعض القطاعات الحيوية واستمرار تمويل الخدمات الأساسية، خاصة في مجالي الصحة والطاقة.

كما ساهم الدعم في تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي وتخفيف الضغوط التضخمية، الأمر الذي منح الاقتصاد اليمني مساحة من الاستقرار النسبي في ظل بيئة مليئة بالمخاطر.

توقعات مستقبلية وتحسن تدريجي

توقع الصندوق أن يشهد الاقتصاد اليمني انكماش طفيف بنسبة 0.5 في المائة خلال عام 2025، على أن يبدأ مسار التعافي التدريجي في عام 2026 بمعدل نمو متواضع يبلغ 0.5 في المائة، وصول إلى 2.5 في المائة بحلول عام 2030.

ويرى الصندوق أن هذا التحسن سيكون مدعوم بزيادة الصادرات غير النفطية، وارتفاع تحويلات المغتربين، إلى جانب المشروعات الزراعية والإنمائية التي يجري تنفيذها بدعم دولي.

كما يتوقع تراجع التضخم تدريجي مع استقرار سعر الصرف وتحسّن الإمدادات الغذائية العالمية.

تحديات بنيوية تعيق التعافي

رغم المؤشرات الإيجابية، حذر صندوق النقد الدولي من أن استمرار الاضطرابات السياسية وتجدد النزاعات المسلحة قد يعرقل تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة.

كما أشار إلى أن ارتفاع أسعار السلع العالمية أو تراجع الدعم الخارجي قد يزيد من العجز المالي ويؤدي إلى تفاقم التضخم، مما يجعل استمرار التمويل الخارجي أمر ضروري للحفاظ على الخدمات الأساسية ومنع تفاقم الأزمة الإنسانية.

الإصلاحات المطلوبة لإنقاذ الاقتصاد اليمني

شدد التقرير على أن تحقيق الاستقرار المالي يتطلب تطبيق إصلاحات هيكلية شاملة، تشمل توحيد الإيرادات الجمركية والضريبية بين المحافظات المختلفة، وترشيد الإنفاق الحكومي خاصة في دعم الكهرباء، وتعزيز الشفافية في إدارة المال العام.

كما دعا الصندوق البنك المركزي إلى وقف التمويل النقدي لعجز الموازنة واعتماد سعر صرف تحدده قوى السوق.

وأكد أن مكافحة الفساد وتحديث الأنظمة المالية والإدارية، إضافة إلى تطوير بيئة الاستثمار وإعادة بناء قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة، تعد عناصر أساسية لأي خطة إصلاح مستدامة.

نحو مرحلة جديدة من التعافي والاستقرار

يمثل الدعم السعودي الأخير، إلى جانب المساهمات الإماراتية، خطوة مهمة في مسار استعادة اليمن لتوازنه الاقتصادي.

ومع استمرار الجهود الدولية لدعم برامج التنمية والإصلاح، تبدو الآمال معقودة على أن يتمكن اليمن خلال الأعوام المقبلة من تجاوز أزماته تدريجي، شريطة أن يقترن الدعم المالي بالاستقرار السياسي والإصلاح المؤسسي، ليعود هذا البلد إلى مسار النمو والتنمية بعد سنوات طويلة من المعاناة والانكماش.