رسمياً: السعودية تطلق المشروع المعجزة والجسر البري من الخليج العربي للبحر الأحمر وتحدد المناطق والمدن التي سيمر بها

تعيش المملكة العربية السعودية مرحلة تاريخية من التحول التنموي، إذ تسابق الزمن لتنفيذ واحد من أكثر مشاريع البنية التحتية طموح في تاريخها المعاصر، في إطار رؤية 2030 التي تسعى لجعل المملكة مركز لوجستي عالمي يربط بين ثلاث قارات: آسيا وإفريقيا وأوروبا.

السعودية تطلق المشروع المعجزة والجسر البري من الخليج العربي للبحر الأحمر

هذا المشروع العملاق، المعروف باسم "الجسر البري" (Land Bridge)، لا يعد مجرد خط حديدي جديد يربط المدن، بل يمثل نقلة استراتيجية شاملة في منظومة النقل الوطني والإقليمي، حيث سيعيد صياغة حركة التجارة والنقل في المنطقة بصورة غير مسبوقة.

مشروع استراتيجي يربط البحرين الأحمر والخليج العربي لأول مرة

يمتد الجسر البري لمسافة 1500 كيلومتر، رابط بين مدينة جدة على ساحل البحر الأحمر ومدينة الدمام على الخليج العربي مرور بالعاصمة الرياض، ليشكل أول ممر بري في تاريخ المملكة يربط البحرين الأحمر والخليج العربي عبر خط حديدي واحد.

وتبلغ القيمة الاستثمارية للمشروع نحو 26 مليار ريال سعودي (7 مليارات دولار)، ما يجعله أحد أكبر مشاريع النقل في الشرق الأوسط من حيث الحجم والأثر الاقتصادي.

تحول نوعي في منظومة السكك الحديدية السعودية

تعمل الخطوط الحديدية السعودية (سار) على تنفيذ خطة توسعية شاملة لزيادة طول شبكة السكك الحديدية من 5300 كيلومتر إلى أكثر من 8000 كيلومتر خلال الأعوام القادمة.

ويأتي هذا المشروع ضمن استراتيجية وطنية تهدف إلى ربط المدن الكبرى بالموانئ الصناعية ومراكز التصدير، بما يسهم في تعزيز كفاءة حركة البضائع والمسافرين على حد سواء.

اختصار المسافات والزمن بين المدن الكبرى

من أبرز أهداف الجسر البري تقليص زمن الرحلات بين المدن السعودية. فعلى سبيل المثال، سيخفض المشروع زمن الرحلة بين جدة والرياض إلى أقل من أربع ساعات فقط، بعدما كانت تستغرق أكثر من اثنتي عشرة ساعة بالسيارة.

كما ستصل سرعة القطارات المستخدمة إلى 200 كيلومتر في الساعة، مع اعتماد تقنيات الهيدروجين النظيف لتشغيلها بما يتماشى مع التوجهات البيئية للمملكة.

شبكة لوجستية متكاملة تدعم الاقتصاد الوطني

سيضم المشروع سبعة مراكز لوجستية ضخمة موزعة على طول المسار، تشمل مرافق للشحن، التخزين، والنقل المتعدد الوسائط.

وسيعمل على ربط الموانئ الصناعية الكبرى مثل ينبع والجبيل وميناء الملك عبد الله، مما يرفع من كفاءة سلاسل الإمداد ويخفض زمن نقل البضائع بين جدة والدمام من عدة أيام إلى أقل من 18 ساعة فقط.

وتشير التقديرات إلى أن المشروع سيساهم في خفض تكاليف النقل السنوية بنحو 4.2 مليار دولار، كما سيوفر ما يزيد عن 200 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

المسارات والمراحل التنفيذية للمشروع

يتكون المشروع من عدة خطوط ومحاور رئيسية تشمل:

• الخط الرئيسي: يمتد لمسافة 950 كيلومتر بين الرياض وجدة مع وصلة إلى ميناء الملك عبدالله.
• الخط الشرقي: بطول 115 كيلومتر لربط الدمام بالجبيل ودعم حركة الشحن الصناعي.
• خط ينبع: بطول 172 كيلومتر لربط ميناء الملك عبدالله بمدينة ينبع الصناعية لنقل البتروكيماويات.
• المرحلة الأولى: محور العاصمة، الذي يربط شمال الرياض بجنوبها عبر خط يبلغ 35 كيلومترًا، ويضم جسور وأنفاق وأنظمة إشارات حديثة.

تحالف سعودي–صيني يقود التنفيذ

يتولى تنفيذ المشروع تحالف دولي يجمع بين الخطوط الحديدية السعودية (سار) وشركة China Civil Engineering Construction Company الصينية، إلى جانب شركاء محليين مثل شركة العيوني للمقاولات، ودوليين من كبرى الشركات المتخصصة مثل Thales، WSP، Systra، Hill International، Italferr، وSener.

ويعكس هذا التعاون عمق الشراكة الاقتصادية بين الرياض وبكين، إذ بلغ حجم الاستثمار الصيني المباشر في المملكة أكثر من 8.2 مليارات دولار في عام 2024، بزيادة قدرها 29% مقارنة بالعام السابق.

مشروع القرن ضمن رؤية السعودية 2030

يرى الخبراء أن مشروع الجسر البري يمثل العمود الفقري لشبكة النقل المستقبلية في المملكة، فهو أول خط سكك حديدية مباشر يربط الشرق بالغرب، مما يعزز موقع السعودية كمركز رئيسي للتجارة العالمية.

كما يدعم هذا المشروع توجه المملكة لتنويع مصادر الدخل بعيد عن النفط، ويشكل ركيزة أساسية في بناء اقتصاد مستدام يعتمد على بنية تحتية متطورة ومتكاملة.

من “الجسر البري” إلى “المعجزة السعودية”

وصفت صحيفة “عكاظ” هذا المشروع بـ”المعجزة السعودية” نظرا لضخامته وأهميته الاستراتيجية في ربط قارات العالم عبر الأراضي السعودية.

ومن المتوقع أن يبدأ تشغيله تدريجي خلال السنوات القليلة المقبلة بعد اكتمال مراحله الهندسية والتشغيلية، ليصبح أحد النماذج العالمية في البنية التحتية الذكية والمستدامة.

نحو مستقبل لوجستي عالمي تقوده المملكة

مع امتداد قضبان الحديد عبر صحراء المملكة، تمتد معها طموحات السعودية نحو مستقبل يضعها في قلب التجارة العالمية.

فالمملكة لم تعد مجرد ممر إقليمي يربط بين الشرق والغرب، بل تتحول إلى محور عالمي للوجستيات والنقل المتكامل، في خطوة تؤكد أن رؤية 2030 تسير بخطوات واثقة نحو بناء اقتصاد قوي، متنوع، ومستدام، يستند إلى الابتكار والتخطيط الاستراتيجي العميق.