إنهيار جنوني في سعر برميل النفط وارامكو تحذر من أزمة عالمية وتتوقع موعدها

إنهيار جنوني في سعر برميل النفط
  • آخر تحديث

بدأت الأوساط الاقتصادية والطاقة العالمية تدق ناقوس الخطر بعد تصريحات مثيرة أطلقها أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية، محذر من أزمة وشيكة في إمدادات النفط العالمية قد تعصف بالأسواق خلال السنوات القليلة المقبلة، نتيجة تراجع الاستثمارات في عمليات الاستكشاف والإنتاج منذ أكثر من عقد.

إنهيار جنوني في سعر برميل النفط 

وأوضح الناصر، في مقابلة مع صحيفة “فايننشال تايمز”، أن حجم الإنفاق العالمي الحالي في قطاع المنبع (الاستكشاف والإنتاج) أقل بكثير مما يتطلبه استقرار السوق، وأن تطوير مشاريع جديدة يحتاج من خمس إلى سبع سنوات، وهو ما ينذر بحدوث فجوة بين العرض والطلب خلال فترة قصيرة إذا لم يتم التحرك بسرعة.

وأشار الناصر إلى أن الطفرة التي شهدها النفط الصخري الأمريكي خلال السنوات الماضية لن تتكرر، مما يثير تساؤلات حول من أين سيأتي النفط الإضافي لتلبية الطلب العالمي الذي يواصل الارتفاع.

تحذيرات أوبك وتقديرات وكالة الطاقة الدولية

وجاء تحذير أرامكو متزامن مع تصريحات هيثم الغيص، الأمين العام لمنظمة أوبك، الذي شدد على أن قطاعي النفط والغاز بحاجة إلى استثمارات إضافية ضخمة لمواجهة الزيادة المتوقعة في الطلب على الطاقة بنسبة 23% بحلول منتصف القرن الحالي.

أما وكالة الطاقة الدولية فقد أكدت في تقريرها الأخير أن العالم بحاجة إلى إنفاق سنوي يتجاوز 540 مليار دولار على مشروعات الاستكشاف والإنتاج للحفاظ على معدلات الإنتاج الحالية حتى عام 2050، محذرة من أن التقاعس عن الاستثمار قد يؤدي إلى انخفاض المعروض العالمي بأكثر من 5 ملايين برميل يوميا، وهو ما يعادل إنتاج النرويج والبرازيل مجتمعين.

تطورات جيوسياسية تؤثر في الأسعار

في المقابل، يرى إريك لي، كبير محللي السلع في بنك "سيتي غروب"، أن تهدئة النزاع الروسي الأوكراني قد تقود إلى هبوط أسعار النفط إلى مستوى 50 دولار للبرميل، إذا تراجعت الهجمات الأوكرانية على المصافي الروسية وخف الضغط الدبلوماسي على مشتري الخام الروسي.

وقد شهد خام برنت انخفاض يقارب 18% منذ بداية العام، ليستقر حاليا عند حدود 61 دولار للبرميل بفعل فائض المعروض العالمي.

ويترقب التجار محادثات مرتقبة بين واشنطن وموسكو قد تسفر عن اتفاق لوقف إطلاق النار وتخفيف القيود المفروضة على الطاقة الروسية، وهو ما قد يغير اتجاه الأسعار عالميا.

تداعيات على النفط الصخري الأمريكي

حذر لي من أن انخفاض الأسعار بأكثر من 10 دولارات إضافية سيضع قطاع النفط الصخري الأمريكي في مأزق، نظرا لاعتماده على أسعار مرتفعة نسبيًا لتغطية تكاليف الإنتاج.

كما أشار إلى أن هذا الوضع قد يدفع واشنطن إلى تبني سياسات أكثر جرأة تجاه أسواق النفط، في حين تترقب الأسواق موقف المملكة العربية السعودية من الدفاع عن الأسعار أو السماح بتراجعها.

الصين تتحدى العقوبات الغربية وتواصل استيراد الغاز الروسي

وفي تطور موازي يعكس التحولات الجيوسياسية في قطاع الطاقة، أفادت تقارير “بلومبرغ” بأن السفينة "أركتيك مولان" وصلت إلى ميناء بيهاي الصيني محملة بالغاز الطبيعي المسال من مشروع “أركتيك إل إن جي 2” الروسي، في أول عملية تسليم منذ فرض المملكة المتحدة عقوبات على المنشأة الروسية.

وتشير بيانات تتبع السفن إلى أن بكين تواصل استقبال الشحنات الروسية رغم القيود الغربية، مما يؤكد استمرار التعاون الطاقوي بين روسيا والصين، في وقت تسعى فيه واشنطن لتقليص عائدات موسكو من النفط والغاز.

وقد خصصت الصين ميناء بيهاي كنقطة دخول رئيسية للشحنات القادمة من المشروع الروسي، رغم إدراجه على قوائم العقوبات الأمريكية والبريطانية، بينما توقف بعض المستوردين الصينيين الآخرون عن التعامل مع المشروع لتجنب المخاطر القانونية.

الولايات المتحدة في مواجهة تحديات الطاقة النظيفة

في الداخل الأمريكي، يكافح مطورو مشاريع الطاقة المتجددة خصوصا في مجالات الرياح والشمس للحفاظ على زخم استثماراتهم في ظل سياسات الرئيس دونالد ترامب التي وصفتها التقارير بأنها غير داعمة للطاقة النظيفة.

فقد ألغت الإدارة الأمريكية معظم الحوافز الضريبية للطاقة المتجددة بموجب قانون جديد أُقر في يوليو، وأوقفت وزارة الداخلية إصدار تراخيص جديدة لمشاريع الطاقة النظيفة، بينما استمر دعم مشاريع النفط والغاز التقليدية.

ويرى مسؤولو القطاع أن الطاقة المتجددة قادرة على تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء الناتج عن توسع استخدام الذكاء الاصطناعي، بوتيرة أسرع من مشاريع الغاز التي تواجه مشكلات في سلاسل التوريد.

مفاوضات أمريكية–كندية لإحياء مشروع خط أنابيب “كيستون إكس إل”

وفي سياق آخر، كشفت صحيفة فاينانشال تايمز عن محادثات بين الولايات المتحدة وكندا لإحياء مشروع خط أنابيب النفط الشهير “كيستون إكس إل”، الذي يهدف إلى نقل 830 ألف برميل يوميا من الخام الثقيل الكندي إلى مصافي التكرير الأمريكية على ساحل الخليج.

ويجري النقاش ضمن صفقة أوسع لتخفيف الرسوم الجمركية المفروضة على الصلب والألمنيوم الكنديين. ورغم أن المشروع أُلغي سابقا لأسباب بيئية في عهد الرئيس جو بايدن، فإن إدارة ترامب الحالية تبدي انفتاح على إعادة إطلاقه ضمن رؤية أمن الطاقة القاري.

ويؤكد مسؤولون كنديون أن تعزيز وصول النفط الكندي إلى المصافي الأمريكية سيُسهم في تعزيز أمن الطاقة في أمريكا الشمالية، خصوصًا مع تراجع إمدادات الخام الثقيل من المكسيك وفنزويلا.

ليبيا في دائرة الاهتمام الأمريكي من جديد

وفي شمال إفريقيا، أعلنت شركة كونوكوفيلبس الأمريكية عن سعيها لإبرام اتفاق جديد مع شركة الواحة الليبية للنفط، بالتعاون مع توتال إنرجيز، بهدف رفع إنتاج ليبيا إلى مليوني برميل يوميا خلال السنوات القادمة.

وقد حققت الشركة الليبية بالفعل في سبتمبر رقم قياسي بلغ 365 ألف برميل يوميا، ما يشير إلى انتعاش تدريجي في قطاع الطاقة الليبي رغم التحديات السياسية.

مشهد طاقوي عالمي متغير

تجمع هذه التطورات المتسارعة بين الشرق الأوسط وأمريكا الشمالية وآسيا على حقيقة واحدة: أن العالم يدخل مرحلة حرجة من التحولات الطاقوية، حيث تتقاطع الأزمات الجيوسياسية مع السياسات البيئية وتحديات العرض والطلب.

وبينما يحذر الخبراء من أزمة قادمة في الإمدادات، تواصل الدول الكبرى إعادة رسم خريطة الطاقة العالمية بما يتناسب مع مصالحها الاستراتيجية، في وقت يبدو فيه أن أمن الطاقة عاد إلى صدارة الأجندة الدولية بعد عقد من الركود والاستقرار النسبي.